عندي شوق لينيلنا ....

يابحر حلتنا .... في رمالك ذكري
لا بتشيلها الموجه ... لا بتفارق الفكرة
كلما اسمع هذه الأغنية الرائعة الجريف واللوبيا للفنان الجابري ترفع عندي ضغط الحنين فتصحو الذكريات المنسية بكل ما فيها من مشاعر دفاقة وعواطف جياشة وشجن اليم وحزن نبيل وفرح دفاق، وتبلغ النشوة ذروتها عندما يصل الجابري الى:
كان زمان نتدلي .. لما كنا صغار
من فريع لـى فريـع .. نقـطـع الاثـمــار
كـان بحرنـا نعوم .. ناس صُغـار وكبـار
فينـا طيبـة القريـة .. ومافى كـان أسـرار
ليت عقارب الزمن تدور الى الوراء الى تلكم الأيام الرائعات أيام الطفولة والصبا عندما كان بيننا وبين البحر شوق عمر لا نام ولامدو انحسر.. كان البحر يرسم كل خطوط حياتنا في ذلك الزمن الجميل، فما بين البحث عن (الدنانين) ومطاردتها من شجرة الى اخري وكيف ان دنان الحصاني يأخد منا جهدا كبيرا في القبض عليه وكثيرا ما تبوء المحاولات بالفشل، ثم نستريح في شجرة ظليلة ويبدأ كل واحد منا في استخراج الشوك الذي تكسر في رجليه نفعل كل ذلك بمنتهي المرح والإنبساط، يترافق مع ذلك شريك القمري والتنقل من زريبة الى زريبة ومن تقاه الى تقاه، لقد كانت البيئة جاذبة للطيور في ذلك الزمن فكنت تري الدباس والبيوضي والحموري والبلوم بكثرة، اما ام قرين وام زعيبر فما اكثرهما ومن اليسير ان تجدهما داخل القرية، ولا انسي منظر جدك قيس وهو يطارد ام قرين وهو يحمل بعر البقر في جلبابه، وينصب لها الشرك فتقع فيه ويقبضها، كما لا انسي منظرنا ونحن نقذف اسراب الطيور المهاجرة بالسلك فنصيب بعضها.
وكنا نجد متعة كبيرة في اصطياد السمك، فعندما نذهب الى محطة بانقا كنا ندلف على دكان ابوالحسن فنشتري السنارات والخيوط، ثم نعد طعام السمك الذي غالبا ما يكون خلطة من كسرة ومعها صابون او بعر الحمير لأن رائحته تجذب السمك، وكانت اكثر المناطق جذبا للأسماك هي مشرع بريرة بالقرب من البيارة، ولكننا كنا نتحاشي العوم فيها لآنها عميقة، وكانت المنطقة المفضلة للعوم هي مشرع تاي الله وهو مناسب تماما للمبتدئين وفيه تعلمنا مبادئ السباحة ثم جاء الميجر الذي احترفنا فيه السباحة، وقد احدث الميجر نقلة اخري في حياتنا حيث أصبح البديل الأمثل للبحر، وكنا نقضي فيه جل يومنا ما بين العوم واصطياد الأسماك، وكنت تجد معظم اهالى القرية في الميجر ما بين الغسيل والحمام وسقي الحيوانات وجلب ماء الشرب، وقد الهم الميجر الشول بيت امونة فقالت فيه ابياتا شعرية تقول فيها:
انا بشرب من الميجر العالي
نستحم انا واطفالي ..
ونتغسل منو (طوالي) !!
ان الحب الجارف والحنين المستمر الذي يشدنا و يلازمنا دائما لأم طريفي صنعتة هذه البيئة الطيبة بما فيها من طبيعة ساحرة شكلت وجدان انسان ام طريفي وجعلته يذوب رقة ويتدفق مشاعرا، وجعلت انسان ام طريفي متميزا على كل اقرانه في المنطقة، فالإنسان ابن بيئته وتصور كيف يكون الحال لو ما ولدت ونشأت وترعرعت في ام طريفي.
وياحليل ارض الجزائر والمراكب والطنابير الترن
يا حليل ناس ليلي ساعة الليل يجن........